فصل: تفسير الآية رقم (37):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان المشهور بـ «تفسير القرطبي»



.تفسير الآية رقم (27):

{ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكافِرِينَ (27)}
قوله تعالى: {ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يُخْزِيهِمْ} أي يفضحهم بالعذاب ويذلهم به ويهينهم. {وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ} أي بزعمكم وفي دعواكم، أي الآلهة التي عبدتم دوني، وهو سؤال توبيخ. {الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ} أي تعادون أنبيائي بسببهم، فليدفعوا عنكم هذا العذاب. وقرأ ابن كثير {شركاى} بياء مفتوحة من غير همز، والباقون بالهمز. نافع {تشاقون} بكسر النون على الإضافة، أي تعادوننى فيهم. وفتحها الباقون. {قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} قال ابن عباس: أي الملائكة. وقيل المؤمنون. {إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ} أي الهوان والذل يوم القيامة. {وَالسُّوءَ} أي العذاب. {عَلَى الْكافِرِينَ}.

.تفسير الآية رقم (28):

{الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28)}
قوله تعالى: {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ} هذا من صفة الكافرين. و{ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ} نصب على الحال، أي وهم ظالمون أنفسهم إذ أوردوها موارد الهلاك. {فَأَلْقَوُا السَّلَمَ} أي الاستسلام. أي أقروا لله بالربوبية وانقادوا عند الموت وقالوا: {ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ} أي من شرك. فقالت لهم الملائكة: {بَلى} قد كنتم تعملون الأسواء. {إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} وقال عكرمة: نزلت هذه الآية بالمدينة في قوم أسلموا بمكة ولم يهاجروا، فأخرجتهم قريش إلى بدر كرها فقتلوا بها، فقال: {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ} بقبض أرواحهم. {ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ} في مقامهم بمكة وتركهم الهجرة. {فَأَلْقَوُا السَّلَمَ} يعني في خروجهم معهم. وفية ثلاثة أوجه: أحدها- أنه الصلح، قال الأخفش.
الثاني- الاستسلام، قال قطرب.
الثالث- الخضوع، قاله مقاتل. {ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ} يعني من كفر. {بَلى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} يعني أن أعمالهم أعمال الكفار.
وقيل: إن بعض المسلمين لما رأوا قلة المؤمنين رجعوا إلى المشركين، فنزلت فيهم. وعلى القول الأول فلا يخرج كافر ولا منافق من الدنيا حتى ينقاد ويستسلم، ويخضع ويذل، ولا تنفعهم حينئذ توبة ولا إيمان، كما قال: {فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا} وقد تقدم هذا المعنى. وتقدم في الأنفال أن الكفار يتوفون بالضرب والهوان، وكذلك في الأنعام. وقد ذكرنا في كتاب التذكرة.

.تفسير الآية رقم (29):

{فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (29)}
قوله تعالى: {فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ} أي يقال لهم ذلك عند الموت.
وقيل: هو بشارة لهم بعذاب القبر، إذ هو باب من أبواب جهنم للكافرين.
وقيل: لا تصل أهل الدركة الثانية إليها مثلا إلا بدخول الدركة الأولى ثم الثانية ثم الثالثة هكذا.
وقيل: لكل دركة باب مفرد، فالبعض يدخلون من باب والبعض يدخلون من باب آخر. فالله أعلم. {خالِدِينَ فِيها} أي ماكثين فيها. {فَلَبِئْسَ مَثْوَى} أي مقام {الْمُتَكَبِّرِينَ} الذين تكبروا عن الايمان وعن عبادة الله تعالى، وقد بينهم بقوله الحق: {إِنَّهُمْ كانُوا إِذا قِيلَ لَهُمْ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ}.

.تفسير الآيات (30- 32):

{وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ماذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ (30) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ كَذلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ (31) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (32)}
قوله تعالى: {وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ماذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً} أي قالوا: أنزل خيرا، وتم الكلام. و{ماذا} على هذا اسم واحد. وكان يرد الرجل من العرب مكة في أيام الموسم فيسأل المشركين عن محمد عليه السلام فيقولون: ساحر أو شاعر أو كاهن أو مجنون. ويسأل المؤمنين فيقولون: أنزل الله عليه الخير والهدى، والمراد القرآن.
وقيل: إن هذا يقال لأهل الايمان يوم القيامة. قال الثعلبي: فإن قيل: لم ارتفع الجواب في قوله: {أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ} وانتصب في قوله: {خَيْراً}؟ فالجواب أن المشركين لم يؤمنوا بالتنزيل، فكأنهم قالوا: الذي يقوله محمد هو أساطير الأولين. والمؤمنين آمنوا بالنزول فقالوا: أنزل خيرا. وهذا مفهوم معناه من الاعراب، والحمد لله. قوله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ} قيل: هو من كلام الله عز وجل.
وقيل: هو من جملة كلام الذين اتقوا. والحسنة هنا: الجنة، أي من أطاع الله فله الجنة غدا.
وقيل: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا} اليوم حسنة في الدنيا من النصر والفتح والغنيمة: {وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ} أي ما ينالون في الآخرة من ثواب الجنة خير وأعظم من دار الدنيا، لفنائها وبقاء الآخرة. {وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ} فيه وجهان- قال الحسن: المعنى ولنعم دار المتقين الدنيا، لأنهم نالوا بالعمل فيها ثواب الآخرة ودخول الجنة.
وقيل: المعنى ولنعم دار المتقين الآخرة، وهذا قول الجمهور. وعلى هذا تكون {جَنَّاتُ عَدْنٍ} بدلا من الدار فلذلك ارتفع.
وقيل: ارتفع على تقدير هي جنات، فهي مبينة لقوله: {دارُ الْمُتَّقِينَ}. أو تكون مرفوعة بالابتداء، التقدير: جنات عدن نعم دار المتقين. {يَدْخُلُونَها} في موضع الصفة، أي مدخولة.
وقيل: {جَنَّاتُ} رفع بالابتداء، وخبره {يَدْخُلُونَها} وعليه يخرج قول الحسن. والله أعلم. {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ} تقدم معناه في البقرة. {لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ} أي مما تمنوه وأرادوه. {كَذلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ} أي مثل هذا الجزاء يجزى الله المتقين. {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ} قرأ الأعمش وحمزة {يتوفاهم الملائكة} في الموضعين بالياء، واختاره أبو عبيد، لما روى عن ابن مسعود أنه قال: إن قريشا زعموا أن الملائكة إناث فذكروهم أنتم. الباقون بالتاء، لان المراد به الجماعة من الملائكة. و{طَيِّبِينَ} طاهرين من الشرك.
الثاني- صالحين.
الثالث- زاكية أفعالهم وأقوالهم.
الرابع- طيبين الأنفس ثقة بما يلقونه من ثواب الله تعالى.
الخامس- طيبة نفوسهم بالرجوع إلى الله.
السادس: {طَيِّبِينَ} أن تكون وفاتهم طيبة سهلة لا صعوبة فيها ولا ألم، بخلاف ما تقبض به روح الكافر والمخلط. والله أعلم. {يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ} يحتمل وجهين: أحدهما- أن يكون السلام إنذارا لهم بالوفاة.
الثاني- أن يكون تبشيرا لهم بالجنة، لان السلام أمان.
وذكر ابن المبارك قال: حدثني حيوة قال أخبرني أبو صخر عن محمد بن كعب القرظي قال: إذا استنقعت نفس العبد المؤمن جاءه ملك الموت فقال: السلام عليك ولى الله الله يقرأ عليك السلام. ثم نزع بهذه الآية {تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ}.
وقال ابن مسعود: إذا جاء ملك الموت يقبض روح المؤمن قال: ربك يقرئك السلام.
وقال مجاهد: إن المؤمن ليبشر بصلاح ولده من بعده لتقر عينه. وقد أتينا على هذا في كتاب التذكرة وذكرنا هناك الاخبار الواردة في هذا المعنى، والحمد لله. وقوله: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ} يحتمل وجهين: أحدهما- أن يكون معناه أبشروا بدخول الجنة.
الثاني- أن يقولوا ذلك لهم في الآخرة. {بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} يعني في الدنيا من الصالحات.

.تفسير الآية رقم (33):

{هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (33)}
قوله تعالى: {هلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ}
هذا راجع إلى الكفار، أي ما ينتظرون إلا أن تأتيهم الملائكة لقبض أرواحهم وهم ظالمون لأنفسهم. وقرأ الأعمش وابن وثاب وحمزة والكسائي وخلف {يأتيهم الملائكة} بالياء. والباقون بالتاء على ما تقدم. {ويَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ} أي بالعذاب من القتل كيوم بدر، أو الزلزلة والخسف في الدنيا.
وقيل: المراد يوم القيامة. والقوم لم ينتظروا هذه الأشياء لأنهم ما آمنوا بها، ولكن امتناعهم عن الايمان أوجب عليهم العذاب، فأضيف ذلك إليهم، أي عاقبتهم العذاب.
{ذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ}أي أصروا على الكفر فأتاهم أمر الله فهلكوا.
{ما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ} أي بتعذيبهم وإهلاكهم، ولكن ظلموا أنفسهم بالشرك.

.تفسير الآية رقم (34):

{فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (34)}
قوله تعالى: {فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا} قيل: فيه تقديم وتأخير، التقدير: كذلك فعل الذين من قبلهم فأصابهم سيئات ما عملوا، وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون، فأصابهم عقوبات كفرهم جزاء الخبيث من أعمالهم. {وَحاقَ بِهِمْ} أي أحاط بهم ودار.

.تفسير الآية رقم (35):

{وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللَّهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (35)}
قوله تعالى: {وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللَّهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ} أي شيئا، و{مِنْ} صلة. قال الزجاج: قالوه استهزاء، ولو قالوه عن اعتاد لكانوا مؤمنين وقد مضى في سورة الأنعام مبينا وإعرابا فلا معنى للإعادة.
{كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} أي مثل هذا التكذيب والاستهزاء فعل من كان قبلهم بالرسل فأهلكوا. {فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ} أي ليس عليهم إلا التبليغ، وأما الهداية فهي إلى الله تعالى.

.تفسير الآية رقم (36):

{وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36)}
قوله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ} أي بأن اعبدوا الله ووحدوه. {وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} أي اتركوا كل معبود دون الله كالشيطان والكاهن والصنم، وكل من دعا إلى الضلال. فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ أي أرشده إلى دينه وعبادته.
{وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ} أي بالقضاء السابق عليه حتى مات على كفره، وهذا يرد على القدرية، لأنهم زعموا أن الله هدى الناس كلهم ووفقهم للهدى، والله تعالى يقول: {فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ} وقد تقدم هذا في غير موضع. {فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ} أي فسيروا معتبرين في الأرض. {فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} أي كيف صار آخر أمرهم إلى الخراب والعذاب والهلاك.

.تفسير الآية رقم (37):

{إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (37)}
قوله تعالى: {إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ} أي إن تطلب يا محمد بجهدك هداهم. {فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ} أي لا يرشد من أضله، أي من سبق له من الله الضلالة لم يهده. وهذه قراءة ابن مسعود واهل الكوفة. ف {يهدى} فعل مستقبل وماضيه هدى. و{مَنْ} في موضع نصب ب {يَهْدِي} ويجوز أن يكون هدى يهدى بمعنى اهتدى يهتدى، رواه أبو عبيد عن الفراء قال: كما قرئ {أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى} بمعنى يهتدى. قال أبو عبيد. ولا نعلم أحدا روى هذا غير الفراء، وليس بمتهم فيما يحكيه. النحاس. حكى لي عن محمد بن يزيد كأن معنى {لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ} من علم ذلك منه وسبق ذلك له عنده، قال: ولا يكون يهدى بمعنى يهتدى إلا أن يكون يهدى أو يهدى. وعلى قول الفراء {يَهْدِي} بمعنى يهتدى، فيكون {مَنْ} في موضع رفع، والعائد إلى {مَنْ} الهاء المحذوفة من الصلة، والعائد إلى اسم {إِنْ} الضمير المستكن في {يُضِلُّ}. وقرأ الباقون {لا يهدى} بضم الياء وفتح الدال، واختاره أبو عبيد وأبو حاتم، على معنى من أضله الله لم يهده هاد، دليله قوله: {مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هادِيَ لَهُ} و{مَنْ} في موضع رفع على أنه اسم ما لم يسم فاعله، وهى بمعنى الذي، والعائد عليها من صلتها محذوف، والعائد على اسم إن من {فَإِنَّ اللَّهَ} الضمير المستكن في {يُضِلُّ}. {وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ} تقدم معناه.

.تفسير الآية رقم (38):

{وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (38)}
قوله تعالى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ} هذا تعجيب من صنعهم، إذ أقسموا بالله وبالغوا في تغليظ اليمين بأن الله لا يبعث من يموت. ووجه التعجيب أنهم يظهرون تعظيم الله فيقسمون به ثم يعجزونه عن بعث الأموات.
وقال أبو العالية: كان لرجل من المسلمين على مشرك دين فتقاضاه، وكان في بعض كلامه: والذي أرجوه بعد الموت إنه لكذا، فأقسم المشرك بالله: لا يبعث الله من يموت، فنزلت الآية.
وقال قتادة: ذكر لنا أن ابن عباس قال له رجل: يا بن عباس، إن ناسا يزعمون أن عليا مبعوث بعد الموت قبل الساعة، ويتأولون هذه الآية. فقال ابن عباس: كذب أولئك! إنما هذه الآية عامة للناس، لو كان على مبعوثا قبل القيامة ما نكحنا نساءه ولا قسمنا ميراثه. {بَلى} هذا رد عليهم، أي بلى ليبعثنهم. {وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا} مصدر مؤكد، لان قوله: {يبعثهم} يدل على الوعد، أي وعد البعث وعدا حقا. {وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} أنهم مبعوثون. وفى البخاري عن أبى هريرة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ«قال الله تعالى كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك وشتمني ولم يكن له ذلك فأما تكذيبه إياي فقوله لن يعيدني كما بدأني وأما شتمه إياي فقوله اتخذ الله ولدا وأنا الأحد الصمد لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ». وقد تقدم، ويأتي.